الحادي عشر: حسن الهندام والمظهر:-
فينبغي عليه أن تكون ملابسه وهيئته حسنة. لأن ذلك أدعى إلى الالتفات إليه والانجذاب نحوه والإنصات له. مع مراعاة عدم المبالغة في اللباس إلى حد التكلف والتعقيد.
الثاني عشر: اللين والرفق :-
إن على الخطيب الناجح الاتصاف باللين والرفق والتلطف مع الناس لأن ذلك أدعى إلى استمالتهم وإقناعهم، أما أسلوب العنف والغلظة والشدة فقد أثبت الواقع فشله وعدم جدواه، لقد خاطب الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )آل عمران159
وقالجل وعلا أيضا ً(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف199
وها هو الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقول:
( إنّ الرفق لا يكون في شيء إلاّ زانه ولا ينزع من شيء إلاّ شانه)
فالناس ينفرون بطبائعهم من الفظاظة والخشونة والعنف ويألفون الرقة واللين والرفق .
حكي عن الاحنف بن قيس أنه قال( ما عاداني أحد إلا أخذت في امره ثلاث خصال :إن كان أعلى مني عرفت له قدره وإن كان دوني رفعت قدري عنه وإن كان نظيري تفضلت عليه ) وهذا من الرفق واللين فكن أخي الخطيب من أهل اللين والرفق تدم دعوتك وتقبل كلماتك إنشا الله
الثالث عشر: البعد عن التقليد الممقوت والمتكلف، وتقمص شخصيات الآخرين:-
نشاهد بعض الخطباء يقومون بتقليد خطباء مشهورين بصورة متكلفة تثير في النفوس عدم الارتياح والرضى، مع التنبيه بأنه لامانع من الاستفادة من أسلوب الآخرين بصورة مقبولة وغير متكلفة، لأن المستوى الثقافي والقدرة العلمية لكل من المقلد والمقلد غالباً ما تكون متفاوتة وغير متقاربة، ومن هنا يأتي الخلل وعدم التوفيق والنجاح في أداء الخطبة.
الرابع عشر: عدم الإطالة في الخطبة:-
فالخطيب الناجح لا يطيل في خطبته مراعاة لأحوال وظروف المستمعين، فيكون من بينهم المرضى وأصحاب الحاجات والمهمات، وأحياناً طبيعة الجو تلعب دوراً أساسياً في تحديد وقت الخطبة، فيجب على الخطيب مراعاة ذلك بصورة معتدلة.وقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من مئنة فقه الرجل إطالة الصلاة وقصر الخطبة
ولا بد ان يعلم الخطيب أن فن الإيجاز والإطناب يختلف من حال إلى حال، بحسب حال السامعين في إقبالهم ومللهم، ونوع الموضوع، وظروف الإلقاء.
ويحسن من الخطيب أن يعوّد سامعيه على زمن معتدل ثابت يلتزمه، فإنهم إذا عرفوه بانضباطه ودقة التزامه أحبوه ولازموا حضوره.
ومن الخير للخطيب وجمهوره أن ينفضوا وهم متعلقون به من غير ملل أو سآمة.
إن الخطيب الذي لا يصيغ خطابه ليتناسب مع روح العصر السائدة والمتميزة بالسرعة لن يكون موضع ترحيب، وفي بعض الأحيان، يثير كراهية الآخرين. لذلك كن مختصراً.
عن أَبُي وَائِلٍ قال: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا)).
و كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَال: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا
و ذكر عن أحد شعوب أفريقيا البدائية أنه عندما يلقي الخطيب خطاباً طويلاً جداً خلال اجتماع القرية، فإن الجمهور يسكته بالصراخ: كفى ! كفى !
ويقال أن قبيلة أخرى كانت تسمح للخطيب بالتحدث طالما يستطيع وهو مرتكز على ساقٍ واحدة. وعندما تلمس مقدمة ساقه الأخرى الأرض، يتوجب عليه التوقف عن الكلام.
الخامس عشر:إغتنام الفرص:-
الخطيب الناجح هو الذي يتصيد الفرص والاحداث ويقيسها بمقياس الشرع والفرصة لا بد ان تكون
1- مناسبة للمضمون المراد طرحه والواقع .
2- ان تكون على مستوى المصلين لا اعلى ولا ادنى
السادس عشر :التكرار وحسن البيان :-
وهو أحد الأسس التي يقّدم الخطيب من خلالها المضمون، ووظيفة هذا الأسلوب التوضيح وزيادة التأكيد فإن أدّاها فنعما هو.
وتنبع قيمة التكرار من اختلاف أشكاله وتنوعه فليس التكرار تردادا لجمل معينة حرفا بحرف وكلمة بكلمة فالنبي صلى الله عليه وسلم ظلّ يكرر مضمونا واحدا ثلاث عشرة سنة في مكة: ((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))[ فهل كان طوال هذه السنوات يردد هذه الجملة فحسب؟الجواب لا
بقي أن نقول إن للتكرار آفة واحدة فقط وهي الملل، وينتفي الملل بالتنوع والغنى، كما قلنا.
وهذا النوع لا يحسن أن يكون بالألفاظ ذاتها، إذ النفوس تنفر من ذلك، بل يكون بعبارات جديدة، بل وبأساليب مختلفة تارة بالتقرير، وتارة بالاستفهام، وتارة بالترغيب أو الترهيب، وتارة بالاستنكار، وغيرها من الأساليب البلاغية.
مثال تطبيقي:
في القرآن الكريم الكثير من هذا النوع. ومن ذلك تقرير التوحيد، وقصص الأنبياء، وأحداث القيامة.
القسم الثاني: تكرار الكلمات الرئيسية أو الهامة:
فإذا مر الخطيب بهذه الكلمات فلـه أن يكررها حتى تثبت في قلوب السامعين.
أمثلة تطبيقية:
قال الله تعالى { الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ } القارعة321
عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: ((أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّار))َ. حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ . رواه احمد
وعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأدْرَعِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: ((يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ. يَوْمُ الْخَلاصِ، وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ؟. يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ، ثَلاثًا، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَوْمُ الْخَلاص؟ قَالَ: يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَصْعَدُ أُحُدًا فَيَنْظُرُ الْمَدِينَةَ فَيَقُولُ لأَصْحَابِه:ِ أَتَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الأبْيَضَ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكًا مُصْلِتًا، فَيَأْتِي سَبْخَةَ الْجَرْفِ فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَلا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلا مُنَافِقَةٌ وَلا فَاسِقٌ وَلا فَاسِقَةٌ إِلا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلاص رواه احمد بسند صحيح
عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلاثًا قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ)). قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.)) رواه البخاري.
السابع عشر:إثارة العواطف:-
ينبغي للخطيب أن ينظر إلى مضمون الخطبة فإن كان يحتمل هذه الإثارة فعل وإلا لم يفعل حتى لا يعود على نفسه بالنقض.
الخطيب الناجح يمتاز بالقدرة على تحليل المواقف، وتركيب الفكرة وتنسيقها، والإيقاع بها في رشد زمانها وطيب مكانها.
الخطيب المؤثر إذا حدَّث الناس عن الجنة كأنما بجناحيه فيها يطير، وحول أنهارها يسير، وبين يدي حُورها يميل، وإذا حدَّثهم عن النار كأنه في بركانها يصطلي، كلامه عنها يفتت الأكباد، ويذهل الألباب، ويقطع الآمال.
الثامن عشر: الإلمام بالموضوع:
لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالارتياح حين يواجه مستمعيه إلا بعد أن يفكر ملياً ويخطط حديثه ويعرف ما الذي سيقوله.
قام بعض المبتدئين متحدثاً عن موضوع ليس لديه الإلمام الكافي نحوه, فاضطربت عباراته, واهتزت ثقته بقدراته, فاتهم نفسه بالفشل وعدم القدرة على الخطابة. والسبب في الحقيقة إنما يعود لسوء التحضير والتخطيط.
التاسع عشر: المران والتدريب:
إن أول وآخر طريقة فعالة لتوليد الثقة بالنفس في فن الخطابة, هي أن تقف وتخطب.
فالأعصاب تهدأ تماماً من خلال العادة والتمرين الدائم لقوة الإرادة. فإن كان لدى الإنسان خطاب فإنه سيجيد الكلام أكثر حين يردده ويتدرب عليه باستمرار.
العشرون:جرب عمليا :-
اختر موضوعاً لديك معرفة سابقة به, قم بإنشاء خطاب حوله مدته خمس دقائق, تدرب على إلقاء الخطاب عدة مرات, ثم قم بإلقائه أمام مجموعة من رفاقك, وضع كل جهدك وقوتك أثناء قيامك بذلك.
قف مستقيماً وتطلع إلى عيون الجمهور. ابدأ الكلام بثقة وكأن الجميع يدينون لك بالمعروف.
لا تعبث بملابسك أو تفرك يديك, وإذا اضطررت للقيام بحركات عصبية نتيجة التوتر أمسك شيئاً أمامك بشدة كالمنبر أو الطاولة ونحوه.
ربما ينتابك خوف عارم أو نوع من الصدمة أو التوتر العصبي في الدقائق الأولى التي تواجه فيها الجمهور. لكنك إذا ثابرت فإنك ستتجاوز كل شيء ما عدا هذا الخوف الأولي الذي ليس سوى خوفاً أولياً فحسب. فبعد الجمل القليلة الأولى, تستطيع أن تسيطر على نفسك. وستتحدث بطمأنينة وارتياح.
من المفيد أن تسجل خطابك بواسطة مسجل الصوت أو الفيديو, ثم تقوم بالمراجعة وتلمس أوجه القصور لتتغلب عليها في المرات ولا تنسى أن تستعين بأخوانك لتقييمك فألاخ مرأة أخيه .
الحادي والعشرون :حضر موضوعك جيدا:
إذا كتب الخطيب الناجح الموضوع فهو مخير بين أمرين:
1. إن شاء حفظه وألقاه 2. وإن شاء ذكر مضمونه
وليحذر جهده من قراءته على الناس من ورقة, فإن ذلك يضعف قوته ويذهب بتأثيره في النفوس كما هو مشاهد.
والأمر الثاني أحسن الأمرين, حتى لا يكون مقيداً بعبارة خاصة, فإذا عرض له أمر جديد أثناء الخطابة أمكنه القول فيه, وكثير من الحفاظ إذا نسوا جملة تلعثموا أو ارتج عليهم فيفقدون هيبتهم في نفوس السامعين.
وما أحوج الخطيب إلى الهيبة والجلال ! فكان من الأحسن والمصلحة ألا يتقيد بعبارة يحفظها بل يتخير من العبارات ما يؤدي المعاني التي حصل عليها ببحثه وتفكيره.
هذا إذا كتب الموضوع. وإن شاء عدم الكتابة واكتفى برسم الموضوع في مخيلته وتسطيره في ذاكرته التي قواها بالمران والممارسة, كان ذلك أحسن وأكمل.
الثاني والعشرون : قف جيدا:-
إن الوقوف الصحيح له دوره في ارتياح الخطيب أثناء إلقاء الخطبة مما يزيد ثقته بنفسه, كما أنه يساعده على التنفس الصحيح الذي يؤثر في فعالية الصوت.
الثالث والعشرون : لا تبدأ بعجلة:-
بعدما تنهض لمخاطبة جمهورك, لا تبدأ بعجلة. فهذه هي السمة المميزة للمبتدئ.
تطلع إلى جمهورك للحظة.. إن كانت هناك ضجة, توقف قليلاً حتى تزول.. أبق صدرك عالياً.
لكن لمَ الانتظار لفعل ذلك أمام الجمهور ؟ لم لا تفعل ذلك يومياً حين تكون منفرداً بذاتك، عندئذٍ يمكنك أن تفعل ذلك تلقائياً أمام الناس.
الرابع والعشرون: ـ الاتزان وضبط النفس:-
الاتزان يعني الطمأنينة والهدوء, وتجنب إحداث أي حركة في غير محلها.
وقد ذكرنا سابقاً أنه لا ينبغي العبث بملابسك لأنها تلفت الانتباه.
هناك سبب آخر وهو أن ذلك يمنح انطباعاً عن الضعف وقلة الثقة بالنفس
الخامس والعشرون ـ التمهل في الإلقاء:-
الإلقاء السريع المتعجل يفقد المتابعة, كما أنه قد يشوه إخراج الحروف فيختلط بعضها ببعض وتتداخل المعاني وتلتبس العبارات, وقد يؤدي التعجل إلى إهمال الوقوف عند المقاطع ورعاية الفواصل.
وهذا التمهل الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقود إلى هدوء بارد, وتثاقل مميت.
السادس والعشرون ـ تغيير نبرة الصوت:-
من أسباب ضعف التأثير, وتطرق الملل والسآمة إلى السامعين, أن يتحدث الخطيب بطبقة رتيبة على وتيرة واحدة.
عندما تجد نفسك كذلك ابحث عن أي جملة مناسبة لتغير من خلالها نبرة صوتك بما يتوافق مع أسلوب الجملة.
ومما يساعدك في القيام بهذا التغيير أمران: 1ـ التوقف اليسير 2ـ التدريب.
السابع والعشرون ـ تغيير سرعة الكلام:-
فالأفكار الرئيسية والجمل الهامة ينبغي أن يلاحظ في إلقائها التؤدة وعدم الاستعجال, تمكيناً لاستيعاب السامع لها, وتعزيزاً لأثرها في النفوس.
الثامن والعشرون ـ التوقف قبل وبعد الأفكار المهمة:
الخطيب الناجح يعرف أين يتوقف أثناء خطبته. فإذا مر بفكرة عظيمة يرغب في ترسيخها في أذهان مستمعيه توجه إليهم, وأحدق بعيونهم مباشرة للحظة من دون أن يقول شيئاً.
هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة المفاجئة. وهو يجذب الانتباه, ويجعل كل إنسان منتبهاً ومتحفزاً لما سيتلو ذلك الصمت.
وكذا يقال في التوقف بعد كل جملة يراد توكيدها, فهو يضيف إلى قوتها قوة أخرى من خلال الصمت, وذلك أن المعنى يغوص في هذه الأثناء في النفس ويؤدي رسالته.
لكن يجب أن يكون التوقف بشكل طبيعي, ومن دون تكلف.
وقد قيل: " من خلال صمتك تتكلم " فالصمت ليس ذهبياً أكثر مما يستخدم عندما تتكلم. وهو أداة قوية ومهمة لا ينبغي إغفالها, ومع ذلك فهي مهملة من قبل الخطيب المبتدئ.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ((أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟)) قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: ((أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: ((أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَال:َ ((أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِه،ِ قَالَ: ((أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَال: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُم))رواه البخاري
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)). قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)). قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.
قَال: ((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟)) قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا))، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: ((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟)) قَال:َ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ((أَنْ لا يُعَذِّبَهُم)رواه البخاري ومسلم
التاسع والعشرون ـ الحركات والإشارات:
للحركات والإشارات أثرها الهام في الخطابة, وهي نوعان:
1 ) حركات لا إرادية: فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه, وذو الحماس تنتفخ أوداجه وتحمر عيناه, ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط, ومنهم من يعلو صوته حماساً وتفاعلاً, ومنهم من يبكي رقة وخشوعاً.
2 ) حركات إرادية: تعكس الانفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة والتوضيح.
وينبغي أن تكون هذه الإشارات والحركات منضبطة بقدر معقول, وانفعال غير متكلف, ومتناسقة مع الشعور الحقيقي.
من الصعوبة إعطاء قواعد محددة في هذا الباب, لأنه يعتمد على مزاج الخطيب, وعلى تحضيره وحماسه وشخصيته وموضوعه, وعلى الجمهور والمناسبة.
وإذا استخدمت الإيماءات والإشارات بمهارة, وبلا تكلف, وكانت ملائمة لمعاني الكلمات المصاحبة لها فإنه من الممكن أن تكون يدا الخطيب أداة عجيبة لإيصال الأفكار وتحريك المشاعر.
أمثلة تطبيقية :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ)) وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: ((أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّد،ٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ))... الحديث.
وفي رواية: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلا صَوْتُهُ:... ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.رواه مسلم
• عَنْ حُصَيْن بن عبد الرحمن أن عُمَارَةَ بْنَ رُؤَيْبَةَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.)رواه مسلم
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمْ الصَّلاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" ثَلاثًا رواه البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قرأ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ ).رواه ابو داوود
الثلاثون ـ الاتصال البصري:
لا بد من توزيع النظر على الجمهور. فعيناك هما الحبل الذي يربطك بهم, يعرفون من خلاله مدى اهتمامك بهم, وتعرف أنت من خلاله مدى اهتمامهم بما تقول.
وهذا يزيد ثقتك بنفسك ويخلصك من الارتباك والتوتر, كما أنه يفيدك في معرفة ردود فعل المستمعين وانطباعاتهم لتجري على موضوعك أو طريقة إلقائه التعديل المناسب.
الحادي والثلاثون ـ ما هو دور الابتسامة المشرقة ؟
الابتسامة من أبرز مظاهر الشخصية، فهي تكسب الثقة في الحال, وتُظهر حسن نية المرء بسرعة.
إن تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق من صوت اللسان وكانت صفة النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول اصحاب السير (كان بسّام المحيّا ).
كيف لا يكون كذلك وهو القائل (تبسمك في وجه اخيك صدقة )وهذه صدقة لا تكلفك درهم ولا دينار وهي كنز لو عرف الخطيب والداعية كيفية إستخدامه لأسرت القلوب ولفتحت النفوس .
واسمع لجرير بن عبد الله رضي الله عنه قال(ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسيمت إلا تبسم في وجهي ) رواه الشيخان
تقول حكمة صينية: " من لا يستطيع الابتسام يجب أن لا يفتح متجراً " فالابتسامة المرحبة مطلوبة أمام الجمهور كما هي مطلوبة وراء الآلة الحاسبة في المتجر.
هناك خطباء يتقدمون بأسلوب بارد متكلف وكأن عليهم القيام بمهمة مزعجة, فيحمدون الله عند انتهائهم. ونحن أيضاً كمستمعين نشعر بمثل ذلك, لأن هذه الأساليب تنتقل بالعدوى.
الثاني والثلاثون ـ لباس الخطيب :-
إن دييننا الاسلامي الحنيف منذ أيامه الاولى على الارض دعا الى النظافة في جميع الشؤون
قال تعالى (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ )المدثر3
فلزاماً على الدعاة وخاصة الخطباء أن يزيدوا من إهتمامهم بهذا الجانب فيكونوا ذوي مظاهر جميلة تأنس بهم العين ويقبل عليهم الناس
في أحد البحوث أجمع كل الأفراد أنهم عندما يكونون بمظهر لائق وأنيق يشعرون بتأثير ذلك في منحهم الثقة بالنفس والرفع من تقديرهم الذاتي.
هذا هو تأثير الملابس على من يرتديها, فما هو تأثيرها على الجمهور ؟
لا شك أن لها أثراً عليه، فإذا كان الخطيب لا يعتني بملبسه, فإن الجمهور يُكنّ احتراماً ضئيلاً لهذا الإنسان مثلما يفعل هو لمظهره.
الثالث والثلاثون ـ أرنا وجهك, واهتم بالإضاءة:-
الناس يهتمون برؤية الخطيب, لأن التغيرات التي تطرأ على تعابير وجهه هي جزء حقيقي من عملية التعبير عن الذات. وهي تعني في بعض الأحيان شيئاً أكثر مما تعنيه الكلمات.
أما الإضاءة, فالخطيب العادي ليس لديه أدنى فكرة عن أهمية الإضاءة المناسبة.
دع الضوء يغمر وجهك. إذا وقفت تحت الضوء مباشرة ربما يكسو الظل وجهك, وإذا وقفت أمام الضوء مباشرة من المؤكد أن لا يبدو وجهك واضحاً. أليس من الحكمة إذن أن تختار قبل أن تنهض للخطاب البقعة التي تمنحك أفضل إنارة ؟
وأما الأثاث, فالترتيب المثالي هو التخلي عن الأثاث. فلا شيء يلفت الانتباه وراء الخطيب, أو على جانبيه, لا شيء سوى ستارة من القماش.
الرابع والثلاثون :إجذب جمهورك :-
يستخدم بعض الخطباء المعاصرين رموزاً لأساليب ومهارات الإلقاء والتوقف يقوم بتدوينها بين جمل الخطبة, أو بإزائها في الهامش, وذلك أثناء التدرب المسبق على الخطاب, أو يدوّنها على ملاحظاته إذا استخدم طريقة الملاحظات المساعدة التي سبق ذكرها. كما يمكن الاستعانة بالألوان بدلاً عن الرموز الخطية.
أمثلة تطبيقية :
(.. ): وقوف ( ! ) أسلوب تعجب
(...): وقوف طويل ( ؟ ): أسلوب استفهام
( رفع ): رفع مستوى الصوت ( ترتيل ): ترتيل الآية
( خفض ): خفض مستوى الصوت ( إشارة ): إشارة أو حركة إرادية مناسبة
هذه مجرد أمثلة ولكل خطيب أن يستخدم ما يناسبه من الرموز.