alsaidilawyer المدير العام
عدد المساهمات : 225 تاريخ التسجيل : 11/12/2011 العمر : 53 الموقع : الجمهورية اليمنية - إب
| موضوع: الدول الصاعدة وتأثيراتها في النظام الدولي السبت مارس 30, 2013 7:09 pm | |
| الدول الصاعدة وتأثيراتها في النظام الدولي
المصدر: السياسة الدولية
بقلم: محمد فايز فرحات
أضحت "المجموعات الدولية" إحدي الظواهر الأساسية المميزة للسياسات الدولية والنظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ورغم وجود العديد من التمايزات المهمة بين هذه المجموعات، من حيث الأهداف، وحجم العضوية، ودرجة استقرارها وتماسكها، أو من حيث أنماط تفاعلاتها مع النظام الدولي والمؤسسية الدولية التقليدية، التي تطورت عقب الحرب العالمية الثانية، فإنه يمكن الحديث عن العديد من القواسم المشتركة بين هذه المجموعات علي نحو يسمح بالتعامل معها كظاهرة مستقرة في السياسات الدولية ونظام ما بعد الحرب الباردة. وقد ارتبطت هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحا بالاقتصادات الصاعدة. تمثل هذه الظاهرة إلي حد كبير انقطاعا مع نمط المؤسسية الدولية التقليدية التي تطورت عقب الحرب العالمية الثانية، والتي شكلت أطرا أساسية لإدارة التفاعلات والسياسات الدولية، خلال فترة الحرب الباردة، بدءا من الأمم المتحدة ومنظومة الوكالات والهيئات التابعة لها، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، واتفاقات الجات، ثم منظمة التجارة العالمية، فضلا عن المنظمات والترتيبات الإقليمية التقليدية، أو ما عرف بالموجة الأولي من الإقليمية، بالإضافة إلي مجموعة الدول السبع الصناعية، والتي قامت جميعها علي أسس وسمات محددة لا تتوافر في ظاهرة المجموعات الدولية الصاعدة. يأتي في مقدمة هذه المجموعات الجديدة "مجموعة العشرين" التي بدأت عملها علي المستوي الوزاري في ديسمبر 1999، ثم ما لبثت أن تحولت إلي مستوي القمة في نوفمبر 2008، ومجموعة "بريك" BRIC (التي تضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) التي تحولت إلي "بريكس" بعد انضمام دولة جنوب إفريقيا. إحدي أبرز السمات المميزة لهذه المجموعات هي استنادها إلي نمط من المؤسسية المرنة. وللمرونة هنا شقان، الأول هو المستوي المحدود من البيروقراطية والهيراركية، بمعني تجنب تأسيس بناء هيراركي أو الأمانات العامة الكبيرة. أما الشق الثاني، فينصرف إلي الطابع غير القانوني وغير الإلزامي Non-Binding Institution بمعني عدم اعتماد الهيكل التنظيمي لهذه المجموعات علي نظام الاتفاقيات والمعاهدات الجماعية القانونية الملزمة، مقابل الاعتماد علي آليات بديلة للعمل الجماعي، مثل آلية التوافق العام (Consensus) في اتخاذ القرارات داخل المجموعة. وتصاغ تلك القرارات في شكل أهداف عامة تلتزم الدول الأعضاء بتحقيقها خلال مدي زمني معين، بينما تترك مسئولية تنفيذ تلك الأهداف إلي الدول الأعضاء، وفق ظروفها الداخلية والآليات التي تتناسب وتلك الظروف. وتستند فلسفة "المؤسسية المرنة" هنا إلي نتائج خبرة تجارب العمل الإقليمي والجماعي الدولي متعدد الأطراف التي سادت خلال الفترة من الخمسينيات وإلي منتصف الثمانينيات. اعتمد العمل الجماعي خلال هذه الفترة علي بناء هياكل مؤسسية ذات بيروقراطيات وأمانات ضخمة كانت - بالإضافة إلي عوامل أخري - أحد العوامل المسئولة عن فشل تلك التجارب بسبب ما تطلبته تلك الأمانات من موارد مالية ضخمة لم تتوافر لأعضاء تلك المؤسسات. كما أدي اعتماد تلك التجارب علي المؤسسية القانونية الإلزامية، وتبنيها أهدافا والتزامات شديدة الطموح غالبا ما تجاوزت قدراتها الحقيقية، إلي فشلها في تحقيق هذه الأهداف، وكثيرا ما اضطرت الدول الأعضاء إلي تسجيل تحفظاتها علي تلك الاتفاقيات أو التوسع في منح الاستثناءات، الأمر الذي فرغ هذه الاتفاقيات من مضمونها، وأصابها في نهاية المطاف بالشلل. وربما كان نموذج "المؤسسية المرنة" هو النموذج الأنسب أيضا في حالة هذه المجموعات، بالنظر إلي خبرة عدد من الدول الأعضاء في مجال بناء المشروعات الإقليمية. وينسحب ذلك بشكل خاص علي مجموعة العشرين، التي ينتمي ما يقرب من نصف أعضائها إلي منتدي الآبك (مثل: الصين، وإندونيسيا، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلي روسيا، والولايات المتحدة، وكندا، واليابان)، الذي يعد النموذج التطبيقي المثالي لحالة "المؤسسية المرنة". ويرجع تبني الآبك لهذا النمط من المؤسسية إلي رفض الاقتصادات الآسيوية الصاعدة لأي مشروع للتعاون الاقتصادي مع الدول الغربية والولايات المتحدة أو حلفائها يقوم علي نموذج المؤسسية القانونية، خوفا من تكريس الهيمنة الغربية والأمريكية علي منطقة آسيا - المحيط الهادي. ولأن نموذج المؤسسية المرنة هو الأقرب إلي خبرة العدد الأكبر من اقتصادات دول المجموعة، فقد كان من المتوقع أن ترفض معظمها، خاصة الآسيوية منها، بناء مجموعة العشرين وفق نموذج المؤسسية القانونية الإلزامية. ترتبط ظاهرة المجموعات الدولية بالاقتصادات الصاعدة بالأساس، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات المهمة حول مستقبل هذه الظاهرة وتداعياتها. فهل يمثل هذا النمط من المؤسسية تهديدا للمؤسسية الدولية التقليدية؟ وما هي طبيعة وحجم التهديد الذي تمثله هذه المجموعات للنظام الدولي القائم والقوي الكبري؟، وهل ستسير علاقة هذه المجموعات بالنظام الدولي والقوي الدولية الفاعلة في اتجاه نمط من العلاقات التصادمية والصراعية، أم ستنتهي إلي نمط من علاقات التكامل أو توزيع الأدوار أو التعايش؟ هل ستنجح أطر المؤسسية الدولية التقليدية في استيعاب ظاهرة المجموعات الدولية الصاعدة؟، وهل يتوافر لدي هذه الأطر الآليات التي تمكنها من ذلك؟ سوف تحاول هذه الدراسة الإجابة علي تلك التساؤلات، استنادا إلي خبرة مجموعتين أساسيتين، هما مجموعة العشرين، ومجموعة "بريكس". المجموعات الصاعدة والنظام الدولي. محددات العلاقة: إن أحد الافتراضات التقليدية المطروحة في حقل نظريات العلاقات الدولية أن الدول (المجموعات الدولية) الصاعدة الجديدة غالبا ما ترتبط بمشروعات ورؤي صدامية مع النظام الدولي والمؤسسية الدولية التقليدية، وغالبا ما يكون مآل هذا النظام ومؤسساته القائمة هو الانهيار، إذا لم يتوافر لدي تلك المؤسسية الآليات التي تضمن استيعاب هذه القوي. وتقدم حالة ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر مثالا كلاسيكيا في هذا المجال. فقد نتج عن الصعود الألماني وتسارع معدل النمو الاقتصادي حدوث تحول في هيكل توزيع القدرات الاقتصادية والعسكرية في أوروبا في ذلك الوقت لصالح ألمانيا، ومن ثم تزايد طموحاتها الإقليمية، وعدم رضاها عن التوازن الإقليمي القائم، وهو ما أدي إلي دخول المنطقة في تنافس إقليمي شديد، وسباقات تسلح، وإعادة بناء التحالفات الإقليمية، انتهت إلي تطور "معضلة أمنية" كبري، ثم نشوب الحرب. ومع وجاهة هذا الافتراض، فإنه لا ينسحب علي كل حالات الصعود أو التحول في القوة، فهناك حالات عديدة لم تتضمن تحديا حقيقيا للنظام الدولي القائم أو المؤسسية الدولية القائمة. وتقدم اليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية نموذجا كلاسيكيا آخر في هذا المجال. فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الياباني من 5% فقط عن نظيره الأمريكي في أواخر أربعينيات القرن الماضي إلي أكثر من 60% في أواخر التسعينيات، ومع ذلك لم يتضمن الصعود الياباني أي تهديد حقيقي للنظام الدولي القائم. أحد العوامل التي تفسر النموذج الياباني هو عملية استيعاب هذا الصعود داخل النظام الدولي والمؤسسية الدولية القائمة. بدأ ذلك بالانفتاح الدولي (الأمريكي خاصة) علي المحاولات اليابانية لإعادة النظر في إرث مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة فيما يتعلق بإعادة تعريف الدور الخارجي لليابان، والمسئولية اليابانية تجاه الحفاظ علي السلم والأمن الدوليين. كما تضمن أيضا الانفتاح علي فكرة ضم اليابان إلي الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وفي إطار الجدل الدائر حول توسيع المجلس، ومشروعات تطوير التحالف الأمريكي - الياباني. سمح ذلك لليابان بتحمل مسئوليات أكبر في إدارة التحديات الأمنية، ليس فقط في إقليم شمال شرقي آسيا، ولكن في أقاليم أخري، بما في ذلك إقليم الشرق الأوسط، وذلك من خلال إعادة تعريف التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة. 1- طبيعة النظام الدولي: تعتمد العلاقة بين الطرفين، في التحليل الأخير، علي طبيعة النظام الدولي القائم من حيث مدي قدرته علي استيعاب الدول/ المجموعات الدولية الصاعدة، وهو ما ينقلنا إلي تناول طبيعة النظام الدولي الراهن. هناك ثلاثة متغيرات مهمة تحدد توجهات الدول/ المجموعة الدولية الصاعدة تجاه النظام الدولي ومؤسساته القائمة، ومدي قدرة هذه الدولة/ المجموعة الدولية علي فرض تحد حقيقي لمستقبله، ومدي تكلفة هذا التحدي. المتغير الأول يتعلق بعدد الدول الكبري المسيطرة علي النظام، بمعني هل يسيطر علي قمة النظام دولة واحدة، أم شبكة أو عدد من الدول؟ المتغير الثاني يتعلق بطبيعة العلاقات القائمة داخل النظام، بمعني هل تستند التفاعلات الجارية داخل النظام علي العلاقة الهيراركية الجامدة، أم أنها تقوم علي نمط من العلاقات التبادلية المرنة والمفتوحة نسبيا، تستند إلي التوافق وقواعد القانون الدولي؟ المتغير الثالث يتعلق بنمط بتوزيع عوائد المعاملات الدولية (في مجالات التجارة والاستثمار)، بمعني هل يستند النظام الدولي القائم إلي التوزيع العادل نسبيا للمنافع المادية والمعاملات الدولية، أم يستند إلي التوزيع المتحيز لهذه المنافع لصالح الدولة/ الدول المهيمنة علي النظام؟ ويمكن القول، في هذا الإطار، إنه كلما كان النظام الدولي القائأضحت "المجموعات الدولية" إحدي الظواهر الأساسية المميزة للسياسات الدولية والنظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ورغم وجود العديد من التمايزات المهمة بين هذه المجموعات، من حيث الأهداف، وحجم العضوية، ودرجة استقرارها وتماسكها، أو من حيث أنماط تفاعلاتها مع النظام الدولي والمؤسسية الدولية التقليدية، التي تطورت عقب الحرب العالمية الثانية، فإنه يمكن الحديث عن العديد من القواسم المشتركة بين هذه المجموعات علي نحو يسمح بالتعامل معها كظاهرة مستقرة في السياسات الدولية ونظام ما بعد الحرب الباردة. وقد ارتبطت هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحا بالاقتصادات الصاعدة. تمثل هذه الظاهرة إلي حد كبير انقطاعا مع نمط المؤسسية الدولية التقليدية التي تطورت عقب الحرب العالمية الثانية، والتي شكلت أطرا أساسية لإدارة التفاعلات والسياسات الدولية، خلال فترة الحرب الباردة، بدءا من الأمم المتحدة ومنظومة الوكالات والهيئات التابعة لها، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، واتفاقات الجات، ثم منظمة التجارة العالمية، فضلا عن المنظمات والترتيبات الإقليمية التقليدية، أو ما عرف بالموجة الأولي من الإقليمية، بالإضافة إلي مجموعة الدول السبع الصناعية، والتي قامت جميعها علي أسس وسمات محددة لا تتوافر في ظاهرة المجموعات الدولية الصاعدة. يأتي في مقدمة هذه المجموعات الجديدة "مجموعة العشرين" التي بدأت عملها علي المستوي الوزاري في ديسمبر 1999، ثم ما لبثت أن تحولت إلي مستوي القمة في نوفمبر 2008، ومجموعة "بريك" BRIC (التي تضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) التي تحولت إلي "بريكس" بعد انضمام دولة جنوب إفريقيا. إحدي أبرز السمات المميزة لهذه المجموعات هي استنادها إلي نمط من المؤسسية المرنة. وللمرونة هنا شقان، الأول هو المستوي المحدود من البيروقراطية والهيراركية، بمعني تجنب تأسيس بناء هيراركي أو الأمانات العامة الكبيرة. أما الشق الثاني، فينصرف إلي الطابع غير القانوني وغير الإلزامي Non-Binding Institution بمعني عدم اعتماد الهيكل التنظيمي لهذه المجموعات علي نظام الاتفاقيات والمعاهدات الجماعية القانونية الملزمة، مقابل الاعتماد علي آليات بديلة للعمل الجماعي، مثل آلية التوافق العام (Consensus) في اتخاذ القرارات داخل المجموعة. وتصاغ تلك القرارات في شكل أهداف عامة تلتزم الدول الأعضاء بتحقيقها خلال مدي زمني معين، بينما تترك مسئولية تنفيذ تلك الأهداف إلي الدول الأعضاء، وفق ظروفها الداخلية والآليات التي تتناسب وتلك الظروف. وتستند فلسفة "المؤسسية المرنة" هنا إلي نتائج خبرة تجارب العمل الإقليمي والجماعي الدولي متعدد الأطراف التي سادت خلال الفترة من الخمسينيات وإلي منتصف الثمانينيات. اعتمد العمل الجماعي خلال هذه الفترة علي بناء هياكل مؤسسية ذات بيروقراطيات وأمانات ضخمة كانت - بالإضافة إلي عوامل أخري - أحد العوامل المسئولة عن فشل تلك التجارب بسبب ما تطلبته تلك الأمانات من موارد مالية ضخمة لم تتوافر لأعضاء تلك المؤسسات. كما أدي اعتماد تلك التجارب علي المؤسسية القانونية الإلزامية، وتبنيها أهدافا والتزامات شديدة الطموح غالبا ما تجاوزت قدراتها الحقيقية، إلي فشلها في تحقيق هذه الأهداف، وكثيرا ما اضطرت الدول الأعضاء إلي تسجيل تحفظاتها علي تلك الاتفاقيات أو التوسع في منح الاستثناءات، الأمر الذي فرغ هذه الاتفاقيات من مضمونها، وأصابها في نهاية المطاف بالشلل. وربما كان نموذج "المؤسسية المرنة" هو النموذج الأنسب أيضا في حالة هذه المجموعات، بالنظر إلي خبرة عدد من الدول الأعضاء في مجال بناء المشروعات الإقليمية. وينسحب ذلك بشكل خاص علي مجموعة العشرين، التي ينتمي ما يقرب من نصف أعضائها إلي منتدي الآبك (مثل: الصين، وإندونيسيا، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلي روسيا، والولايات المتحدة، وكندا، واليابان)، الذي يعد النموذج التطبيقي المثالي لحالة "المؤسسية المرنة". ويرجع تبني الآبك لهذا النمط من المؤسسية إلي رفض الاقتصادات الآسيوية الصاعدة لأي مشروع للتعاون الاقتصادي مع الدول الغربية والولايات المتحدة أو حلفائها يقوم علي نموذج المؤسسية القانونية، خوفا من تكريس الهيمنة الغربية والأمريكية علي منطقة آسيا-المحيط الهادي. ولأن نموذج المؤسسية المرنة هو الأقرب إلي خبرة العدد الأكبر من اقتصادات دول المجموعة، فقد كان من المتوقع أن ترفض معظمها، خاصة الآسيوية منها، بناء مجموعة العشرين وفق نموذج المؤسسية القانونية الإلزامية. ترتبط ظاهرة المجموعات الدولية بالاقتصادات الصاعدة بالأساس، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات المهمة حول مستقبل هذه الظاهرة وتداعياتها. فهل يمثل هذا النمط من المؤسسية تهديدا للمؤسسية الدولية التقليدية؟ وما هي طبيعة وحجم التهديد الذي تمثله هذه المجموعات للنظام الدولي القائم والقوي الكبري؟، وهل ستسير علاقة هذه المجموعات بالنظام الدولي والقوي الدولية الفاعلة في اتجاه نمط من العلاقات التصادمية والصراعية، أم ستنتهي إلي نمط من علاقات التكامل أو توزيع الأدوار أو التعايش؟ هل ستنجح أطر المؤسسية الدولية التقليدية في استيعاب ظاهرة المجموعات الدولية الصاعدة؟، وهل يتوافر لدي هذه الأطر الآليات التي تمكنها من ذلك؟ سوف تحاول هذه الدراسة الإجابة علي تلك التساؤلات، استنادا إلي خبرة مجموعتين أساسيتين، هما مجموعة العشرين، ومجموعة "بريكس". المجموعات الصاعدة والنظام الدولي. محددات العلاقة: إن أحد الافتراضات التقليدية المطروحة في حقل نظريات العلاقات الدولية أن الدول (المجموعات الدولية) الصاعدة الجديدة غالبا ما ترتبط بمشروعات ورؤي صدامية مع النظام الدولي والمؤسسية الدولية التقليدية، وغالبا ما يكون مآل هذا النظام ومؤسساته القائمة هو الانهيار، إذا لم يتوافر لدي تلك المؤسسية الآليات التي تضمن استيعاب هذه القوي. وتقدم حالة ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر مثالا كلاسيكيا في هذا المجال. فقد نتج عن الصعود الألماني وتسارع معدل النمو الاقتصادي حدوث تحول في هيكل توزيع القدرات الاقتصادية والعسكرية في أوروبا في ذلك الوقت لصالح ألمانيا، ومن ثم تزايد طموحاتها الإقليمية، وعدم رضاها عن التوازن الإقليمي القائم، وهو ما أدي إلي دخول المنطقة في تنافس إقليمي شديد، وسباقات تسلح، وإعادة بناء التحالفات الإقليمية، انتهت إلي تطور "معضلة أمنية" كبري، ثم نشوب الحرب. ومع وجاهة هذا الافتراض، فإنه لا ينسحب علي كل حالات الصعود أو التحول في القوة، فهناك حالات عديدة لم تتضمن تحديا حقيقيا للنظام الدولي القائم أو المؤسسية الدولية القائمة. وتقدم اليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية نموذجا كلاسيكيا آخر في هذا المجال. فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الياباني من 5% فقط عن نظيره الأمريكي في أواخر أربعينيات القرن الماضي إلي أكثر من 60% في أواخر التسعينيات، ومع ذلك لم يتضمن الصعود الياباني أي تهديد حقيقي للنظام الدولي القائم. أحد العوامل التي تفسر النموذج الياباني هو عملية استيعاب هذا الصعود داخل النظام الدولي والمؤسسية الدولية القائمة. بدأ ذلك بالانفتاح الدولي (الأمريكي خاصة) علي المحاولات اليابانية لإعادة النظر في إرث مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة فيما يتعلق بإعادة تعريف الدور الخارجي لليابان، والمسئولية اليابانية تجاه الحفاظ علي السلم والأمن الدوليين. كما تضمن أيضا الانفتاح علي فكرة ضم اليابان إلي الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وفي إطار الجدل الدائر حول توسيع المجلس، ومشروعات تطوير التحالف الأمريكي - الياباني. سمح ذلك لليابان بتحمل مسئوليات أكبر في إدارة التحديات الأمنية، ليس فقط في إقليم شمال شرقي آسيا، ولكن في أقاليم أخري، بما في ذلك إقليم الشرق الأوسط، وذلك من خلال إعادة تعريف التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة. 1- طبيعة النظام الدولي: تعتمد العلاقة بين الطرفين، في التحليل الأخير، علي طبيعة النظام الدولي القائم من حيث مدي قدرته علي استيعاب الدول/ المجموعات الدولية الصاعدة، وهو ما ينقلنا إلي تناول طبيعة النظام الدولي الراهن. هناك ثلاثة متغيرات مهمة تحدد توجهات الدول/ المجموعة الدولية الصاعدة تجاه النظام الدولي ومؤسساته القائمة، ومدي قدرة هذه الدولة/ المجموعة الدولية علي فرض تحد حقيقي لمستقبله، ومدي تكلفة هذا التحدي. المتغير الأول يتعلق بعدد الدول الكبري المسيطرة علي النظام، بمعني هل يسيطر علي قمة النظام دولة واحدة، أم شبكة أو عدد من الدول؟ المتغير الثاني يتعلق بطبيعة العلاقات القائمة داخل النظام، بمعني هل تستند التفاعلات الجارية داخل النظام علي العلاقة الهيراركية الجامدة، أم أنها تقوم علي نمط من العلاقات التبادلية المرنة والمفتوحة نسبيا، تستند إلي التوافق وقواعد القانون الدولي؟ المتغير الثالث يتعلق بنمط بتوزيع عوائد المعاملات الدولية (في مجالات التجارة والاستثمار)، بمعني هل يستند النظام الدولي القائم إلي التوزيع العادل نسبيا للمنافع المادية والمعاملات الدولية، أم يستند إلي التوزيع المتحيز لهذه المنافع لصالح الدولة/ الدول المهيمنة علي النظام؟ ويمكن القول، في هذا الإطار، إنه كلما كان النظام الدولي القائم يقوم علي وجود شبكة من الدول، تقوم بينها درجة كبيرة من الاعتماد المتبادل والتوافق علي الحفاظ علي النظام القائم، وكلما كانت التفاعلات داخل هذا النظام تقوم علي العلاقات التبادلية المرنة والتوافق العام وقواعد القانون الدولي، وكلما كان النظام يقوم علي نشر المنافع المادية الناتجة عن المعاملات الدولية -زادت فرصة وقدرة الدول الصاعدة علي تأمين وحماية مصالحها، في ظل هذا النظام والاندماج فيه، أكثر من تحديه، وزاد الاتجاه لدي هذه الدول علي التوافق والتأقلم مع النظام والمؤسسية الدولية القائمة(1). يفتقد النظام الدولي الراهن التطبيق المثالي للمعايير السابقة، كما تتمتع الولايات المتحدة بوضع مسيطر داخل هيكل النظام الدولي، وقد توسعت في شن الحروب وعمليات التدخل الدولي. وبالرغم من ذلك، فإن النظام الدولي لا يزال يتسم بدرجة معقولة من التعددية، والعلاقات التبادلية. كما تستند التفاعلات والسياسات الدولية إلي التوافق والقانون الدولي لحد كبير. وعلي العكس من النظام الدولي السائد خلال القرن التاسع عشر، اتسم النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بدرجة من المؤسسية عكسها استقرار منظومة الأمم المتحدة والهيئات والوكالات المرتبطة بها، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، واتفاقات الجات، ثم منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلي شبكة المنظمات والترتيبات الإقليمية. كما تم اعتماد مفهوم الأمن الجماعي علي المستوي الدولي (في إطار نظام الأمم المتحدة)، وعلي مستويات إقليمية عدة (الناتو)، وذلك بصرف النظر عن درجة فعالية هذا النظام. من ناحية أخري، اعتمدت الولايات المتحدة - القوة العظمي الرئيسية - علي شبكة من التحالفات الدولية، الإقليمية والثنائية في مختلف الأقاليم، وتكريس حالة الاعتماد المتبادل بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصادات الإقليمية والصاعدة. اندمجت الولايات المتحدة في منتدي الآبك، الذي يشرف علي إدارة عملية التكامل وتحرير التجارة والاستثمار في آسيا - المحيط الهادي (الذي يضم ستة أقاليم فرعية: شرق آسيا، شمال شرقي آسيا، جنوب شرقي آسيا، أمريكا الشمالية، أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلي استراليا ونيوزيلندا)، كما اندمجت في "النافتا" الذي يشرف علي إدارة عملية التكامل وتحرير التجارة والاستثمار في الأمريكتين. هذه السمات جعلت النظام الدولي الراهن أقرب إلي ما يصفه البعض بالهيمنة الليبرالية Liberal Hegemonic Character(2). كما جعلت الولايات المتحدة أقل تهديدا للدول/ المجموعات الدولية الصاعدة. وفي الإطار، أصبحت عملية تغيير النظام الدولي القائم من جانب الأخيرة عملية معقدة جدا وطويلة المدي، وتنصرف بالأساس إلي تغيير قواعد عمل النظام الدولي وقواعد عمل المؤسسية الدولية، أكثر منها عملية تحد أو صراع مع القوي الدولية المهيمنة علي النظام. الأهم من ذلك أن النظام الدولي الحالي لا يزال يتضمن العديد من القنوات والآليات التي يمكن من خلالها استيعاب الدول الصاعدة، ودمجها في المؤسسات الدولية الراهنة. فهذه المؤسسات - باستثناء مجلس الأمن إلي حد ما حتي الآن- توفر فرصا للعضوية والتمثيل والتعبير عن مصالح الدول الصاعدة وحمايتها، الأمر الذي يوجد مصلحة في الحفاظ علي المؤسسة الدولية القائمة، أو علي الأقل اتباع منهج تدريجي لإصلاح هذه المؤسسات أو إصلاحها من الداخل. وتقدم منظمة التجارة العالمية مثالا مهما في هذا المجال. فعلي الرغم من الخلافات التجارية - والسياسية أيضا - القائمة بين الصين والعديد من القوي الدولية، خاصة الولايات المتحدة واليابان والقوي الأوروبية، حول النظام الاقتصادي العالمي الأمثل، وطريقة مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، بل وحول الأسباب الحقيقية لهذه الأزمات، فقد سمح للصين بالانضمام إلي المنظمة في سنة 2001. ويمكن الإشارة هنا إلي دلالتين مهمتين، الأولي ما يعكسه هذا التوجه من مرونة نسبية تميز المؤسسية الاقتصادية الدولية، علي النحو الذي ضمن استيعاب الاقتصادات الشيوعية السابقة، واقتصادات الدول الصاعدة، والتي تمثل الصين إحداها. الدلالة الثانية هي تعاظم القواسم المشتركة بين اقتصادات السوق الغربية المتقدمة التقليدية (الأمريكية والأوروبية)، أو ما يمكن أن نطلق عليه دول الموجة الأولي، من ناحية، والاقتصادات الناشئة والمتحولة (أو دول الموجة الثانية) من ناحية أخري، وقبول الأخيرة الخضوع للقواعد المعيارية التي تحكم النظام الاقتصادي الدولي، كما تحددها منظمة التجارة العالمية. بمعني آخر، فإنه علي الرغم من الخلافات القائمة بين الجبهتين، فإن القوي الاقتصادية الناشئة، وعلي رأسها الصين، قبلت العمل من داخل النظام القائم والمؤسسية الاقتصادية القائمة، وليس من خارجها، بل إن لديها المصلحة في الحفاظ علي هذه المؤسسية، لما توفره من آليات للحفاظ علي حقوق الدول في مجال التجارة الدولية، خاصة الحق في عدم المعاملة التمييزية ضدها في مجال التجارة، وهو أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها منظمة التجارة العالمية. وعلي الرغم من عدم انضمام روسيا حتي الآن إلي المنظمة، رغم بدء المفاوضات بين الجانبين في سنة 1993، بسبب عدم استكمال روسيا استحقاقات العضوية بشأن بعض الملفات العالقة، فإن السعي الروسي الحثيث للانضمام إلي المنظمة، ومحاولة استكمال شروط الانضمام، لا ينفي دقة الدلالتين السابقتين. كما يقدم صندوق النقد والبنك الدوليان نموذجين آخرين لترجمة القدرات الاقتصادية إلي نفوذ دولي، حيث يعطي الصندوق والبنك أوزانا للدول الأعضاء داخل الهيكل الإداري والتصويتي، استنادا إلي مؤشر قيمة الإسهامات المالية للدول الأعضاء. يوفر ذلك للاقتصادات الصاعدة فرصة لترجمة قدراتها الاقتصادية إلي قدرات تصويتية ومؤسسية داخل كل منهما. ولكن المؤشر الأهم هو المرونة النسبية التي أبدتها الدول، الولايات المتحدة والدول الغربية، التي هيمنت تاريخيا علي هاتين المؤسستين، في التعاطي الإيجابي مع مبادرات مجموعة العشرين لإصلاح هاتين المؤسستين، سواء من حيث اختصاصاتهما، أو من حيث تمثيل الاقتصادات الصاعدة داخل أجهزة صنع القرار فيهما. ولا ينسحب ذلك فقط علي مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي تتسم بدرجة من السيولة والمرونة، فإنه يعود - كما سبق القول - إلي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ذاتها. وتقدم حالة دول المحور (اليابان، ألمانيا، إيطاليا) أمثلة مهمة في هذا الإطار. فعلي الرغم من خبرة الحرب بين دول المحور والحلفاء، وسيطرة الأخيرة بقيادة الولايات المتحدة علي هيكل النظام الدولي، فإنها استطاعت استيعاب الدول الثلاث ودمجها في المؤسسات الدولية، خاصة الاقتصادية منها. فمع نجاح تجربة التنمية اليابانية والصعود الاقتصادي لليابان، تم دمجها في دول مجموعة السبع الصناعية، وفي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. خلاصة القول إن النظام الدولي والمؤسسية الدولية التقليدية القائمة اتسما بدرجة من المرونة النسبية، التي كفلت استيعاب الدول/ المجموعات الدولية الصاعدة، مادامت قبلت الأخيرة بقواعد العمل والمعايير المستقرة في السياسات الدولية، حتي في الفترات التي حظي فيها عنصر "التشابه الأيديولوجي" بأولوية كبيرة - مثل مرحلة الحرب الباردة - كمحدد في توجهات العلاقات والمعاملات الدولية.إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة أفقدا هذا العنصر أهميته، باستثناء عدد محدود جدا من الدول التي لا تزال خاضعة لنظم أيديولوجية. 2- عوامل خاصة بطبيعة الدول/ مجموعات الدول الصاعدة: إن قراءة دقيقة لطبيعة مجموعات الدول الصاعدة، من حيث علاقاتها بالولايات المتحدة، أو من حيث مستوي الاتساق القائم فيما بينها، أو من حيث رؤيتها للنظام الاقتصادي الدولي، أو من حيث هيكل توزيع القدرات العسكرية، تشير إلي أن هذه المجموعات لا تمثل تهديدا آنيا للنظام الدولي القائم. وسنشير فيما يلي إلي عدد من الملاحظات المهمة في هذا الإطار. 1) سيطرة الطابع الاقتصادي علي هذه المجموعات، بينما تأتي الأجندة الأمنية والاستراتيجية في ترتيب تال أو متأخر نسبيا. وبمعني أدق، لم تبلور هذه المجموعات أجندة أمنية - استراتيجية متكاملة تجاه النظام الدولي حتي الآن. يصدق ذلك علي مجموعة البريكس، كما يصدق علي مجموعة العشرين. وعلي سبيل المثال، تولي مجموعة العشرين الاهتمام الأكبر بقضايا تدور بالأساس حول فهم ومعالجة أسباب الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، وتشجيع الالتزام بالاقتصاد العالمي المفتوح، وحرية التجارة والاستثمار باعتبارها شرطا أساسيا للنمو، ومحاربة الحمائية التجارية، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين، وإصلاح سوق المال العالمية، من خلال تعميق مبادئ الشفافية والمحاسبية، والرقابة علي الأسواق، والإشراف علي مؤسسات الإقراض، وتجنب الممارسات الاحتكارية، وتشجيع تبادل المعلومات. كما أولت المجموعة اهتماما ملحوظا بمشكلة عدم التوازن الاقتصادي والمالي العالمي علي صعيد مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة التفاوت الضخم بين العجز والفائض التجاري، والتفاوت في معدلات النمو الاقتصادي(3). وقد نجحت المجموعة في تحقيق إنجازات مهمة علي صعيد هذه الأهداف(4)، كان أبرزها ما تم التوصل إليه في قمة سيول (11-21 نوفمبر 2010). فقد أرست القمة ما عرف بـ"توافق سيول حول المشاركة في النمو"، والذي وضع مجموعة من المبادئ المهمة التي يجب أن تحكم سياسات النمو الاقتصادي علي المستويين العالمي والوطني، في اتجاه إعادة صياغة وبناء المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها النظام الاقتصادي العالمي، وفي اتجاه تعميق مفاهيم العدل والتوازن والشراكة. شملت هذه المبادئ: أ) التركيز علي النمو "المتوازن" و"المستدام" كمفهوم قائد لدول المجموعة. ب) الشراكة في التنمية، من خلال دمج وإلحاق الدول النامية ومنخفضة الدخل في عملية التنمية العالمية، كشركاء متساوين، واحترام حقهم في ملكية مشروعاتهم التنموية الوطنية، انطلاقا من الاعتراف بأن المحدد الأهم في نجاح عملية التنمية هو سيطرة الدولة و"ملكيتها" لسياسة التنمية. ج) التركيز علي القضايا العالمية والإقليمية الهيكلية، بمعني إعطاء أولوية للمشكلات والقضايا الإقليمية والعالمية ذات الطابع النظامي والهيكلي التي يمكن أن تلعب المجموعة فيها دورا مساعدا، كقضية "التكامل الإقليمي". د) مشاركة القطاع الخاص، باعتباره شريكا رئيسيا في عملية التنمية من خلال الدور الذي يقوم به في مجالات تطوير المعرفة وإيجاد الوظائف. كما وضعت القمة خطة عمل لتحقيق هذه الأهداف تحت عنوان "الخطة متعددة السنوات للتنمية"، تضمنت قائمة واسعة من الأهداف علي المديين القصير والمتوسط. غطت الخطة مجالات تنمية البنية الأساسية، والاستثمار الخاص، وإيجاد الوظائف، وتنمية الموارد البشرية، والدمج المالي، والنمو الاقتصادي، والأمن الغذائي، وتعبئة الموارد المحلية، والتجارة، وأخيرا المشاركة في المعرفة. وبالإضافة إلي قضايا النظام المالي العالمي، لم تغفل المجموعة مناقشة قضايا أخري، مثل تغير المناخ، ومكافحة الفساد التي أفردت لها قمة سيول ملحقا خاصا تحت عنوان "خطة عمل مكافحة الفساد"، وهو ما ينطوي علي دلالة مهمة بالنسبة لمسار تطور المجموعة. فتركيز المجموعة علي قضايا مثل التجارة، والاستثمار، وتنمية الموارد البشرية، وتعبئة الموارد المحلية، والمشاركة في المعرفة. الخ، بجانب قضايا إصلاح المؤسسات المالية الدولية، ومكافحة الفساد، كل ذلك يشير إلي ابتعاد المجموعة عن المجال الضيق الذي بدأت به، وهو قضايا النظام النقدي والمالي العالمي، أو الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ليشمل مجالات أكثر تنوعا وعمقا، وهو ما يدعم سيناريو توسع المجموعة علي حساب مجموعة السبع الصناعية. ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لمجموعة البريكس، حيث يلاحظ وجود درجة كبيرة من التشابه في أجندة عمل المجموعتين. تعكس غلبة الطابع والأجندة الاقتصادية والتجارية والمالية علي عمل هذه المجموعات دلالات مهمة فيما يتعلق بالطبيعة الاقتصادية للتحدي الذي تمثله هذه المجموعات بالنسبة للنظام الدولي، دون التحدي العسكري. ولا تمثل هذه الأجندة الاقتصادية تحديا بالمعني الدقيق، بقدر ما تمثل محاولات لتصحيح أوجه القصور واختلالات النظام الاقتصادي، كما تطور تحت رعاية وسيطرة الولايات المتحدة والدول الصناعية الغربية. يتضمن ذلك بشكل خاص إصلاح المؤسسات المالية الدولية، وإصلاح أسواق المال، وإعادة تصحيح العلاقة بين التجارة والتنمية، وغيرها، بما يضمن الحفاظ علي مصالح ورؤي الدول الصاعدة، وبما يتناسب مع التحول في توزيع هيكل القدرات الاقتصادية. بل أكثر من ذلك، يمكن القول إن هناك درجة كبيرة من التوافق والمساحة المشتركة بين المعسكرين (الدول الصناعية الغربية المتقدمة والدول الصاعدة) حول أولويات واتجاهات عملية الإصلاح وإعادة الهيكلة تلك. عبر عن هذا التوافق الطريقة التي تم بها تأسيس مجموعة العشرين، والتي تأسست بمبادرة من مجموعة الدول السبع الصناعية في يونيو 1999 بإنشاء آلية "غير رسمية" للحوار مع مجموعة الاقتصادات الناشئة، حيث عقد الاجتماع الوزاري الأول للمجموعة في ديسمبر 1999. عبر عن ذلك أيضا انضمام رئيس الوزراء البريطاني السابق، جوردون براون، إلي الاتجاه الذي يدعو إلي إعادة النظر في النظام المالي الدولي القائم، وإنشاء نظام مالي جديد من خلال ما وصفه بإنشاء مؤسسات "بريتون وودز-2". وقد مثل ذلك بداية لنقطة تحول مهمة فيما يتعلق بموقف مجموعة العشرين من مسألة إصلاح النظام المالي العالمي، والانتقال من التوجه التكاملي بين مجموعة العشرين ومؤسسات "بريتون وودز" التقليدية إلي النظرة "الإحلالية" محل تلك المؤسسات، أو علي الأقل إنشاء مؤسسات موازية لها(5). وبشكل عام، يظل هناك عدد من التحديات المهمة ذات الصلة بالطبيعة التجارية والاقتصادية لهذه المجموعات. فمن ناحية، يقع علي عاتق هذه المجموعات -خاصة مجموعة العشرين - تحدي تأكيد أن تعاظم دورها لا يمثل مرحلة مؤقتة ترتبط بظروف الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة، بقدر ما يعبر عن اتجاه لتحول مستقر في هيكل حوكمة النظام الاقتصادي العالمي. ومن ناحية أخري، فإن هناك بعض التناقض بين مصالح بعض الدول. علي سبيل المثال، في الوقت الذي دعت فيه الصين داخل مجموعة "بريكس" إلي إنشاء نظام بديل للدولار، فإن هناك سقفا لما يمكن أن تذهب إليه الصين في هذا المجال، بالنظر إلي ما تمتلكه الصين ذاتها من سندات خزانة داخل الولايات المتحدة، والتي تقدر بنحو تريليون دولار، مما يعرض هذه السندات للتأثر في حالة اهتزاز شديد في قيمة الدولار أو وضعه كعملة دولية(6). 2) ضعف التحدي الاستراتيجي الذي تمثله هذه المجموعات بالنسبة للنظام الدولي القائم. وربما يكون من المفيد في هذا الإطار النظر إلي حالة الصين بقدر من التفصيل، باعتبارها أبرز القوي الصاعدة علي المستويين الاقتصادي والعسكري. فمن الناحية العملية، هناك العديد من أوجه التناقض بين الصين والولايات المتحدة حول عدد من المبادئ ذات الصلة بجوهر النظام الدولي الراهن، خاصة مبادئ "الدولة ذات السيادة"، و"عدم التدخل في الشئون الداخلية"، و"الحق في الدفاع عن أراضي الدولة". ففي الوقت الذي لم تكن فيه الصين من بين الأطراف الرئيسية في صنع نظام "وستفاليا"، فإنها لا تزال تري في مبدأ سيادة الدولة القومية المبدأ الأساسي الذي يجب أن تستند إليه العلاقات الدولية. وفي الوقت الذي طبقت فيه الدبلوماسية الأمريكية خلال العقدين الأخيرين مفهوما موسعا للسيادة، بالموازاة مع تطوير مفهوم التدخل لاعتبارات إنسانية أو لنشر الديمقراطية، لا تزال الصين تؤمن بالسيادة بمعناها الجامد. بل إنها تري أن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك حالات الإبادة الجماعية، لا تمثل أساسا كافيا لانتهاك مفهوم السيادة أو التدخل في الشئون الداخلية. وينطبق التكييف ذاته علي فكرة الدفاع عن النفس. فبينما تتبني الولايات المتحدة مفهوما موسعا للمصلحة الوطنية أدي بدوره إلي توسيع مفهوم حق الدفاع عن النفس (حالة الحرب ضد أفغانستان)، لا تزال الصين تؤكد ضرورة تضييق حق استخدام القوة المسلحة علي حالات انتهاك السيادة أو وجود اعتداء محدد علي الأراضي الإقليمية للدولة، وهو ما يعني رفض الصين فكرة استخدام القوة خارج الحدود الإقليمية للدولة. وهناك مجموعة أخري من التناقضات تتصل بأدوات إدارة العلاقات والصراعات الدولية. ويتركز التناقض هنا حول الموقف من التحالفات الدولية والأمم المتحدة. تعتمد الدبلوماسية الأمريكية السياسة الأحادية، وتوظيف الأحلاف الدولية، والقوة العسكرية، وتهميش الأمم المتحدة، كآليات رئيسية لإدارة علاقاتها الدولية والأزمات الدولية. ولكن في المقابل، تقوم الرؤية الصينية علي أهمية سياسة تعدد الأطراف، وتفعيل الأمم المتحدة، ومفاهيم التعايش السلمي، والأمن التعاوني، وبناء الثقة. وقد تعمق الإدراك السلبي الصيني لآلية التحالفات الدولية بفعل عدد من التطورات، كان أبرزها توسيع وتعميق التحالف الأمريكي - الياباني، بحيث أصبحت الصين تشكل جزءا أساسيا من مجاله الحيوي. وقد ارتبط تعميق هذا التحالف بتطور في العقيدة العسكرية اليابانية، ووثيقة الدفاع اليابانية، التي أضافت الصين كمصدر رئيسي لتهديد الأمن القومي الياباني، ومحاولة دمج تايوان في هذا التحالف. كما ارتبط ذلك بالتنسيق الأمريكي - الياباني - الكوري في أزمة كوريا الشمالية، والذي وصل إلي حد إجراء المناورات العسكرية المشتركة بالقرب من المياه الإقليمية للصين، خلال الأزمة الأخيرة (نوفمبر 2010 - يناير 2011). الأمر ذاته يصدق علي حلف الناتو الذي شهد إعادة صياغة استراتيجيته العسكرية لتتجاوز مهام الدفاع والردع التقليدية، فضلا عن الشراكة الاستراتيجية الأمريكية - الهندية في جنوبي آسيا. من الممكن الاستناد إلي كل ذلك كمبرر للقول إن عمليات التحديث والصعود العسكري الصيني، جنبا إلي جنب مع الصعود الاقتصادي، سوف تنتهي بتحدي النظام الدولي القائم، وإعادة هيكلة هذا النظام، استنادا إلي قيم ومبادئ جديدة، وإنه ليس من الغريب أن تكون الصين الفاعل المشترك في المجموعات الدولية الصاعدة الأساسية، سواء المحدودة منها، مثل مجموعة البريكس، أو الموسعة نسبيا مثل مجموعة العشرين. غير أن هناك متغيرا مهما آخر لابد من أخذه في الحسبان للوقوف علي تداعيات تلك العناصر السابقة، ألا وهو طبيعة العقيدة العسكرية الصينية. فهذه العوامل - مع أهميتها - لا تعمل في فراغ، ولكنها تعمل في إطار عقيدة عسكرية حاكمة. إن إدخال هذا المتغير في الحسبان قد يفرغ عملية الصعود العسكري والاقتصادي من مضمونها فيما يتعلق باحتمالات التوجه الراديكالي الصيني، والمجموعات الدولية، تجاه النظام الدولي. إن العقيدة العسكرية الصينية هي بطبيعتها عقيدة دفاعية غير توسعية، مالت إلي فكرة العزلة، ولم تخرج عن تلك السياسة إلا عندما اضطرت لذلك، خاصة تحت تأثير سلوك الدول الاستعمارية الأوروبية في آسيا، بدءا من حرب الأفيون (1839-1842). ويجب عدم إغفال حقيقتين أساسيتين تتعلقان بتحول الصين إلي قوة نووية. الحقيقة الأولي: إن قرار التحول إلي قوة نووية قد جاء تحت تأثير التطورات السلبية في البيئة الأمنية الإقليمية، خاصة تدهور العلاقات الصينية - السوفيتية، وعدم قدرة الصين علي تطوير علاقات صداقة مستقرة مع أي من القوتين العظميين خلال فترة الحرب الباردة. كما أن وقوع الحرب الصينية - الهندية في أوائل الستينيات، واتجاه الهند إلي تطوير قدرات نووية كان يعني وقوع الصين إلي الجنوب من قوة نووية (الاتحاد السوفيتي)، وإلي الشرق من قوة نووية محتملة (الهند آنذاك). أدي ذلك إلي تطور قناعة لدي ماوتسي تونج بأن الحفاظ علي استقلال الصين من اعتداء خارجي محتمل، في ظل بيئة أمنية دولية غير مستقرة، مرهون بتطوير قدراتها النووية. وبمعني آخر، فإن الدافع الأساسي لتطوير الصين لقدراتها النووية كان دافع الردع والدفاع، وليس الهجوم أو تحقيق الهيمنة والتوسع الخارجي. كما يمكن العودة في هذا الإطار إلي الثقافة الصينية وتعاليم الفلاسفة الصينيين، وعلي رأسهم كونفوشيوس، والتي تؤكد أفكار الاستقرار والسلام، ونبذ فكرة الاعتداء، بالإضافة إلي تجربة بناء سور الصين العظيم التي بدأت في عام 214 (ق.م.) كوسيلة لحماية الصين من الغزو الخارجي، والذي يجذر فكرة العزلة في الفكر الاستراتيجي الصيني. 3) التناقضات والتمايزات بين الدول أعضاء هذه المجموعات. فعلي العكس من المساحة المشتركة نسبيا في مجال التجارة بين دول مجموعة البريكس، أو بين مجموعة الدول الصاعدة داخل مجموعة العشرين، فإن هذا التوافق لا ينسحب إلي المجال السياسي والأمني. يتراجع هذا التوافق أمام الارتباطات الخارجية المختلفة للدول الصاعدة الأساسية داخل المجموعتين، خاصة الصين، والهند، وروسيا. فبالإضافة إلي المشكلات الحدودية القائمة بين الصين والهند، ومشكلة احتواء الهند للدلالي لاما، هناك توجهات استراتيجية مختلفة لكل منهما. فالعلاقات الصينية - الأمريكية يشوبها الكثير من أوجه الخلاف والتوتر حول عدد من القضايا السياسية، بدءا من قضية حقوق الإنسان داخل الصين والدلاي لاما، وانتهاء بمشكلات التحديث والإنفاق العسكري، والتحالفات الأمنية الأمريكية في منطقة شرق وشمال شرقي آسيا، ومرورا بالخلافات التجارية. ولكن الهند من ناحيتها، ترتبط بشراكة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، تمثل إحدي الركائز الأمريكية - بجانب شراكات وتحالفات أخري - لاحتواء الصعود العسكري الصيني. وما ينسحب علي مجموعة العشرين، ينسحب بدرجة أكبر علي مجموعة البريكس، حيث تعد الصين والهند دولتين أساسيتين بين الدول الخمس الأعضاء بالمجموعة، الأمر الذي يجعل هذه التباينات أكثر وضوحا داخل مجموعة أضيق. ويرتبط بالمشكلة السابقة مشكلة أخري تتمثل في درجة تمثيل هذه المجموعات لمجموعة الدول والاقتصادات الصاعدة، وينسحب ذلك علي المجموعة الأوسع (مجموعة العشرين)، أو المجموعة الأصغر (مجموعة البريكس). فعلي الرغم من أن أحد الدوافع الأساسية التي وقفت وراء تأسيس مجموعة العشرين هو توفير فرصة أكبر لتمثيل القوي والأسواق الصاعدة، ومع الاعتراف بالنقلة المهمة التي حققتها المجموعة - بالمقارنة بتركيب مجموعة السبع التي عُدَّت تعبيرا عن هيمنة دول الشمال الصناعية - فإن التركيب الحالي لمجموعة العشرين لا يزال ينطوي علي درجة من عدم التمثيل أيضا. وتأخذ مشكلة عدم التمثيل هنا أبعادا مختلفة. فمن ناحية، طرح البعض ضرورة الأخذ في الحسبان تمثيل المجموعة لمختلف الثقافات والحضارات العالمية، الأمر الذي كان يعني ضرورة إدخال البعد الثقافي والحضاري في تشكيل المجموعة، وما كان يستتبع ذلك من ضم دول مثل مصر وإيران. ومن ناحية أخري، يثير البعض استمرار مشكلة عدم التمثيل الجغرافي لمختلف القارات والأقاليم داخل المجموعة. فامتدادا للسيطرة الأوروبية علي مجموعة الثماني، التي تضم خمس دول أوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، بالإضافة إلي جزء من روسيا) من إجمالي ثماني دول، يمكن القول أيضا إن مجموعة العشرين تتسم بدرجة من عدم التمثيل الجغرافي، لصالح القارة الأوروبية، والأمريكتين، وآسيا، مقابل تراجع تمثيل الاقتصادات الإفريقية والعربية والشرق أوسطية. إذ يقتصر تمثيل القارة الإفريقية علي دولة واحدة فقط هي جنوب إفريقيا، ويقتصر تمثيل الاقتصادات العربية والشرق أوسطية مجتمعة علي دولتين فقط هما المملكة العربية السعودية وتركيا(7). يأتي هذا الواقع انعكاسا لهيكل توزيع القدرات الاقتصادية، في ضوء تصاعد الأهمية النسبية لاقتصادات أمريكا اللاتينية والاقتصادات الآسيوية، ووقوع النسبة الكبري من الاقتصادات الصاعدة داخل هذه الأقاليم. فضلا عن أن هذه الاقتصادات التسعة عشر تستحوذ علي نحو 90% من إجمالي الناتج العالمي، وعلي نحو ثلثي إجمالي عدد سكان العالم، الأمر الذي يعني تمثيل المجموعة للنسبة الكبري من الاقتصادات العالمية، من حيث الناتج المحلي وعدد السكان. إلا أن دورا فاعلا للمجموعة في تمثيل مختلف مصالح الاقتصادات العالمية، وتمتعها بدرجة أكبر من الشرعية في إدارة النظام الاقتصادي العالمي، يحتاج إلي إعادة النظر في التشكيل الحالي للمجموعة، استنادا إلي معيار مركب وأكثر تعقيدا في تشكيل عضوية المجموعة. ويرتبط بمشكلة تشكيل المجموعة أيضا ما يطرحه البعض بشأن سيناريو نشوء حالة من الاستقطاب داخلها بين الولايات المتحدة والصين، بمعني احتمال تحول المجموعة إلي "منتدي" دولي لإدارة الخلافات الأمريكية - الصينية حول قضايا النظام الاقتصادي والمالي الدولي، وهو ما بدت مؤشراته خلال اجتماعات القمة. وبمعني آخر، إن كلا الطرفين (الولايات المتحدة والصين) سوف يتعامل مع المجموعة باعتبارها مجالا لإدارة وفرض تصوراته ورؤاه حول مختلف قضايا النظام الاقتصادي والمالي الدولي، الأمر الذي قد يفقد المجموعة دورها وأهميتها كإطار لتمثيل رؤي القوي والأسواق الصاعدة. وعلي الرغم من كل الانتقادات التي توجه لمجموعة السبع أو الثماني، فإنها لم ترتبط بتطور استقطاب داخلي بقدر ما قامت علي بناء حالة من التوا | |
|